واقع التعليم في القدس



واقع التعليم في القدس
نبيل حمودة : 08:15 6 تشرين الأول 2011

إن التقصير البين لتطوير التعليم والتعلم بالقدس من جوانبه البنيوية والبيئية والموارد البشرية أدى إلى بروز عدة مشاكل في المؤسسات التعليمية أهمها :-
تعدد الجهات والمرجعيات التي تشرف على العملية التعليمية واختلاف فلسفاتها وأهدافها وأجنداتها ، مما يشكل دوراً سلبياً على الوضع التعليمي وتطوره بمدينة القدس ويُصّعِبْ في وضع استراتيجية ورؤيا ذات مرجعية واحدة مسؤولة عن وضع خطة شاملة لمستقبل التعليم العربي فيها بغياب نظام تعليمي وأشرافي وتوجيهي واضح المعالم مما اوجد جيلاً ضائعاً متخبطاً ومتعدد التوجهات خصوصاً مع تزايد سيطرة المعارف الإسرائيلية والبلدية على المدارس وضعف تأثير وأداء السلطة الفلسطينية في المدينة ، وتراجع دور البيت واولياء الامور.
عدم وجود مصادر تمويلية ثابتة ومستقرة وميزانيات كافية ومستمرة تغطي احتياجات القطاع التعليمي ، أدى إلى النقص في عدد المدارس وعدم كفاية المدارس ، وعدم صيانة أو توسيع القائم فيها ، ونقص الغرف التدريسية ( حيث بلغ العدد المطلوب استحداثه حوالي 1800 غرفة صف ) ، مما حدا باستئجار مبان غير مؤهلة ، وحاويات وأبنية متنقلة وملاجئ ومخازن وممرات ، واستخدامها أماكن للدراسة تفتقر للحد الأدنى من الظروف الصحية والتصميمية والمرافق التعليمية المناسبة، الأمر الذي أدى إلى ازدحام واكتظاظ الصفوف الدراسية لضيقها ولعدم إمكانية التوسع ببناء مدارس جديدة أو ترميم بعضها الآيل للسقوط " تبلغ الكثافة الصفية حوالي 30 طالب بالصف الواحد " ، مرفق طيه ملحق رقم (2) في شأن تكلفة برامج التطوير لخمس سنوات .
ازدياد المشاكل في البنى التحتية للمدارس وتردي حالة الكثير منها لافتقارها للمرافق والساحات والتجهيزات المخبرية والطواقم الإدارية التعليمية والخدمات الأساسية اللازمة للعملية التعليمية والملائمة للبيئة المدرسية ورياض الأطفال ، ناهيك عن نقص البرامج لذوي الاحتياجات الخاصة وعدم توفر الأماكن التي تخصص للأنشطة اللامنهجية كالمكتبات والقاعات والصالات وملاعب الرياضة وخلافه
تعديل المنهج التدريسي في القدس وتشويه وحذف أجزاء من الكتب الدراسية وطمس مادة العقيدة الإسلامية ، وغياب بعض السور القرآنية ، وتجزئة مادة التاريخ ، وتحريف أسماء المدن الفلسطينية بدواعي تحريضية بهدف تهويد واسرلة منهاج التعلم في القدس ، بخطوات مدروسة وممنهجة لتجهيل ونشر ثقافة التخلف.
تنامي نسبة التسرب والتسريب خاصة المراحل العليا التي تجاوزت أكثر من 50% بين أبناء المدينة ، جراء جذب سوق العمل الإسرائيلي لهم بسبب ارتفاع الأجور ومشاكل النظام التربوي كالنقص في عدد المدارس ، والغرف الصفية الضيقة " حيث أن متوسط الغرفة 14 م2 " وتفتقر للشروط الصحية والسلامة التربوية ، وتوتر علاقات المعلمين مع الطلبة والتي لعبت دوراً كبيراً في التسرب حتى أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية ، خصوصاً وان ذروتها بالمرحلة الثانوية.
ضعف ميزانيات المدارس ومصادر التمويل الثابتة وعدم انتظام الرواتب وعدم كفايتها للوضع المالي الخانق التي تعيشه المدارس أدى إلى هجرة وتسرب الكثير من الكفاءات التدريسية إلى مدارس وزارة المعارف والتابعة للبلدية الإسرائيلية لتدني الرواتب مع المستوى المعيشي في المدينة مما اوجد نقصاً في المدرسين الأكفاء في التخصصات الأساسية المطلوبة وأدى إلى ضعف مستوى التحصيل لدى الطلبة ناهيك عن النقص في أجهزة المختبرات العلمية والحوسبة والمكتبات ومراكز التعليم التقني والمهني .
النقص في دور المعلمين ، ومراكز التدريب التخصصي والتربوي والبحثي للمعلمين ، وفي تمويل المدارس المهنية ومراكز الإرشاد والتوجيه والتدريب التقني والمهني وتوفير الأجهزة والمكائن الحديثة لاستيعاب مهن جديدة وتشجيع الطلبة على التعليم المهني المتمشي مع حاجات وسوق العمل ومتطلبات المجتمع ونشر الوعي فيه .
المضايقات والصعوبات التي يضعها الاحتلال لتعطيل العملية التعليمية خصوصاً مع إجراءاته وقوانينه بعزل المدينة عن محيطها وفصلها عضوياً عن باقي الجسم الفلسطيني ، وحصارها بجدار فصل أدى إلى عبور أكثر من 30% من الطلاب لمدارسها من خلال حواجز عسكرية ، وعدم تمكن حوالي 20% من الوصول بحرية لمدارسهم ، وكذلك منع معلمي الضفة الغربية من دخول القدس وتأخر وصولهم لوجود الحواجز . ناهيك عن تنصل الاحتلال من مسئولياته تجاه السكان العرب وعدم تَكَّفِلُه التعليم ، بتوفير المدارس التي تلبي حاجات المدينة حسب القانون الدولي كونه دولة احتلال ، ضاربا بالحائط الاتفاقيات والقوانين الدولية، بل يعمل على تطبيق ودعم نظام الخصخصة في التعليم الذي يفتقد لنظام إشراف تربوي حقيقي ، وذلك لخلق حقائق تعليم جديدة تطمس حق وحاجة الفلسطينيين للتعليم الحر وحقهم في ذلك مثلهم مثل حق باقي دول العالم .
ومع ذلك ورغم كل هذه الضغوط والصعوبات والعراقيل التي يضعها الاحتلال ، فلا يزال هناك رجال غيورين مخلصين على ماضي وحاضر ومستقبل مدينة القدس ومقدساتها ، فلا يزال هنالك من أبنائها ومحبيها من يعمل دون كلل للمحافظة على عمليتي التعليم والتعلم والمحافظة على مستوى ونوعية العملية التعليمية وزيادة فاعليتها ، فتجدهم يعملون محلياً وعلى المستويين والعربي والإسلامي بالرغم من كل المعاناة والظروف القاسية التي يمر فيها ، لجمع التبرعات والإعانات ، لإنشاء مدارس وتطوير المؤسسات التربوية ، ولتلبية احتياجات التعليم في المدينة بقدر الإمكان ، كما أنهم يسعون بكل جهدهم للمحافظة على العملية التعليمية والارتقاء والنهوض بها بإقامة وعقد المحاضرات والمؤتمرات والندوات وورشات العمل للتأهيل التربوي للمعلمين والمعلمات والعاملين في سلك التعليم ، ونشر الوعي التربوي والسلوكي في المدرسة والبيت والمجتمع ، ومتابعة التواصل بين جهاز التربية والتعليم والأهالي وإدارة المدارس وأبنائهم الطلاب ، وتعزيز انتماءاتهم وحبهم للمدرسة والمعلمين على حد سواء ، وتعميق الصلة بأولياء أمورهم ، ناهيك عن جهود بعض المديريات والمشرفين والمدراء الحريصين بمبادرات فردية على تطوير وجوده وتحسين نوعية التعليم في القدس.
إلا أن ذلك كله وحده لا يكفي باعتباره جهود ذاتية مبعثرة ، لذا لا بد من تضافر كافة الجهود الوطنية والجهات المشرفة على الواقع التعليمي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإعلامي للتمكن من صد هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة بخطة شاملة واقعية وعملية ومنظومة واليات عمل متكاملة للنهوض بمستوى التعليم في المدينة كماً ونوعاً في كل مجالاته ومستوياته ومراحله المتعددة في التعليم المبكر ، وتعليم رياض الأطفال ، وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة ، لذا يصبح تضافر الجهود العربية والإسلامية وحشد الرأي العام المحلي والعالمي لمساندة القدس ودعمها ودعم مؤسساتها الوطنية واجباً دينياً وقومياً وإنسانياً ملحاً لمواجهة التحديات والقدرة على الصمود واثبات الوجود .
ولهذه الأسباب وغيرها فإن دوراً كبيراً يقع على الدول العربية والإسلامية ، بالإضافة إلى الفلسطينيين ودورا اكبر على عاتق المؤسسات الدولية والحقوقية، لرفع العنف وممارسات الاحتلال ضد العملية التربوية والتعليمية الفلسطينية وتعريتها أمام المجتمع الدولي لتوفير التعليم الآمن لكل طالب وطالبة وحشد التأييد والدعم الدولي لذلك .
وعليه فان إقامة مجلس أعلى أو هيئة أو لجنة عليا تنضوي تحتها لجان ومجالس فرعية نوعية أصبحت ضرورة ملحة لتولي :
§      -  وضع خطة استراتيجية شاملة للتعليم في القدس .
§       - تعميق الوعي المجتمعي لأهمية التعليم بمجالاته ومراحله المختلفة .
§       - التنسيق والتكامل بين المرجعيات المتعددة المشرفة على التعليم في مدينة القدس .
§     - توثيق الصلة بين مؤسسات المجتمع المدني المعنية والأهالي ، وتفعيل الاهتمام بالطالب ودور أولياء الأمور ، ولجانهم ، وتشجيع المشاركة الفعالة في مختلف الأنشطة التعليمية والتربوية اللامنهجية اللاصفية .
§      - عقد المؤتمرات والندوات والدورات وورش العمل للنهوض بالعملية التربوية والتعليمية .
§       - تأكيد الانتماء والالتزام بالقيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية .
§       -  دعم مدارس التعليم التقني والمهني .

أن مواجهة التحدي الإسرائيلي بالقدس والحفاظ على الارتباط التعليمي العربي فيها يتطلب سياسة عامة مدروسة ومبرمجة كما يتطلب زيادة اهتمام السلطة الفلسطينية بالتعليم بتوفير المدارس وتأهيل المعلمين وتدريبهم ، وأبعاد المؤسسات التعليمية عن الصراعات السياسية والفصائلية ، وتقديم المساعدات العينية للتمكين من الإصرار على عروبة القدس ورفض كل إجراءات الاحتلال لتهويد وأسرلة المدينة .

أما على المستوى العربي والإسلامي فان دورهما لا يقل عن المستوى المحلي فالمطلوب تجنيد الأموال والدعم المالي الكافي لدعم التعليم بالقدس لبناء مبانٍ مدرسية ، وزيادة الغرف الصفية ، وصيانة وترميم ما يلزم لها لاستيعاب الزيادة الطلابية وتمكين الطلاب من الدراسة في بيئة مدرسية صحية آمنة تشجعهم على الإقبال والانتماء والحب لمدارسهم ومعلميهم .
وكذلك توفير الدعم المالي لدفع الرواتب المناسبة للإداريين والمشرفين والمعلمين وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وفقاً لواقع المعيشة في القدس ، لزيادة دافعيتهم للعمل ، ورفع الحوافز واستقطاب خبرات متميزة من ذوي التخصصات والمؤهلات ، وتوفير الأمن والاستقرار الوظيفي واعتماد صندوق للتعليم بالقدس ورفده بالميزانيات ومصادر التمويل الثابتة (كريع وقفي ) له ، توفير منح دراسية تتولاها الدول أو الجامعات أو المؤسسات العربية والإسلامية لخريجي الثانوية العامة خصوصاً التخصصات التعليمية الأساسية فإن هذا الدعم سيؤدي ليس فقط إلى إنقاذ وتطوير قضايا التعليم في القدس بل إلى عدم الاعتماد على المساعدات المالية المشروطة من الاحتلال ، لمساعدة المقدسيين على اتخاذ القرار الحر والجريء الذي يحافظ على عروبة القدس وهويتها وثقافتها الوطنية بعيداً عن النفوذ والتأثير الإسرائيلي ، وعدم تهويدها واسرلتها وإبقائها رمزاً عربياً وإسلامياً عزيزاً شامخاً كما كانت عليه على الدوام .

No comments:

Post a Comment