واقع الشباب المقدسي
الكاتب:حسن فرج.
تكاد
لاتخلو نشرات الأخبار اليومية من أخبار وتقارير تتطرق لمدينة القدس لما مرت وتمر به
المدينة من أزمات وأحداث تجسد عمق الصراع الفلسطيني إسرائيلي منذ إحتلال القسم الشرقي
من المدينة عام 1967 إلى وقتنا الحاضر. وللسنين الأخيرة خصوصية بالغة تتمثل بتسارع
وحجم السياسات التعسفية الإسرائيلية المتبعة بحق شرقي القدس وسكانها، ولعل أهمها عزل
القدس بصورة مباشرة ومادية عن باقي الجسد الفلسطيني من خلال بناء جدار الفصل العنصري،
بالإضافة إلى سياسة هدم المنازل وطرد الكثير من العائلات من منازلها وإستبدالهم بالمستوطنين
بمبررات قانونية مجحفة. هذه السياسات لها تأثيرات على شخصية وهوية القدس الشرقية كمكان
وأفراد. ولعل فئة الشباب أكثر الفئات تؤثرا بهذه التغيرات كون هذه الفئة تمثل إنعكاسا
وضمانا لما سيمثله مستقبل المدينة.
ستركز
هذه الورقة بإيجاز على تداعيات الوضع السياسي والإقتصادي على الشباب المقدسي على الصعيدين
النفسي والإجتماعي.
لايوجد
تعريف مستقل لمرحلة الشباب كونها مرحلة غير تطورية، وإنما هي مرحلة عمرية تربط مابين
مرحلتي المراهقة والرشد. ولعل التوقعات الإجتماعية من الآخرين وبناء الهوية الذاتية،
ما يصقل المرحلتين في إطار مرحلة الشباب. وتماشيا مع تعريف هيئة الأمم المتحدة لمرحلة
الشباب فقد أعتبرت السلطة الوطنية فئة الشباب العمر الواقع بين 15 عاما إلى 24. وتشكل
هذه الفئة مانسبته 18% من إجمالي عدد فلسطيني محافظة القدس (داخل وخارج جدار الفصل).
من اللافت للنظر بان مانسبته 65.1% من العائلات المقدسية تعيش تحت خط الفقر حسب أخر
الإحصائيات الإسرائيلية.
إن
للوضع الاقتصادي السيء لمعظم العائلات المقدسية ودلالاته السياسية، كون إسرائيل تسيطر
على القدس الشرقية وتعرف سكانها بأنهم مقيمين في "دولة إسرائيل" تأثيرات
اجتماعية ونفسية على الكثير من نواحي حياة الشباب المقدسي لاسيما ذوي الدخل المحدود منهم ولعل أهمها:
1. إهمال واضح في التعليم ونقص حاد في الغرف المدرسية
في مدارس البلدية والسلطة الوطنية,مع الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية لا تسمح لمدارس
الأوقاف التابعة للسلطة الفلسطينية بالتوسع أو بناء مدارس جديدة وطبعا هذا يؤثر على
تفاقم ظاهرة التسرب، أو كما يسميها بعض التربويين التسريب المتعمد. فمعظم الإحصائيات
-وإن كان هنالك تباين بين الإحصائيات الفلسطينية والإسرائيلية لتعدد المرجعيات التعليمية
في القدس- تشير إلى أن نسبة التسرب في مدارس شرقي القدس من أعلى النسب إن لم تكن الأعلى
في مدارس إسرائيل والسلطة الوطنية.
2. الظروف المعيشية والإقتصادية الصعبة تدفع الكثير
من الشباب للانخراط في سوق العمل الإسرائيلي بأعمال خدماتية الطابع بالدرجة الأولى
لمساعدة الأهل والعائلة أو للزواج المبكر في كثير من الحالات فيما يتعلق بالفتيات،
حيث ينعكس ذلك على صعوبة بلورة هوية ذاتية تتلائم وحجم التحديات والتغيرات التي تواجهها
المدينة .
3. صعوبة الحصول على تراخيص البناء وكلفتها الباهظة
إن أعطيت، مقابل سياسة هدم المنازل والهجمة الإستيطانية التي تتعرض لها المدينة، مما
يخلق لدى المقدسيين أشكالاً من القلق الوجودي والخوف من الفقدان وعدم السيطرة على حياتهم.
هذا بالإضافة إلى صعوبة الشعور بالأمان تجاه المستقبل، مما يؤثر على تفكير وإبداع الشباب، حيث يصبح صراع البقاء من أهم أولوياتهم.
4. إضطر الكثير من الشباب المقدسي وعائلاتهم -بعد
بناء جدار الفصل العنصري- لترك منازلهم في
الضفة الغربية أو المناطق التي تصنف كحدود بلدية القدس ولكنها داخل الجدار، مثل مناطق
كفر عقب والرام، إضطروا للهجرة العكسية إلى داخل حدود بلدية القدس خارج الجدار تخوفا
من سحب هوياتهم وفقدان حق التواجد في القدس، مما خلق أزمة عقارات حادة، حيث وجد بعضهم
الحل بالسكن مع العائلة الممتدة أو بإستئجار شقق صغيرة الحجم لغلاء إيجار المنازل في
القدس. وما يميز كلتا الحالتين الاكتظاظ الشديد وصغر الغرف. وقد ترتب على ذلك الكثير
من المشاكل الإجتماعية والنفسية، كعدم وجود الخصوصية والطلاق والتحرشات الجنسية.
5. ندرة المؤسسات الشبابية وسياسة تفريغ القدس
من القيادات والمؤسسات السياسية، مما يؤدي الى صعوبة خلق جيل معبر وواعي لهويته الوطنية.
وهذا بدوره يخلق بلبلة في مفاهيم الهوية لاسيما مع صعوبة التواصل مع أخوانهم في الضفة
الغربية وأيضا للاحتكاك المباشر مع الإسرائيليين في أطر مختلفة أساسها العمل لدى الإسرائيلي.
وقد يفسر ذلك بعض المظاهر النفسية مثل التماهي مع ثقافة المحتل كالإستماع للأغاني العبرية
أو استخدام المصطلحات العبرية في الحياة اليومية.
في
النهاية لا بد من التأكيد بأن هذا الواقع -وبالرغم من صعوبته- ليس ثابتا بل قابل للتغيير
إن تم التعاطي معه بطريقة موضوعية. وعليه فهذه بعض التوصيات التي قد تساعد من تغيير
واقع الشباب في القدس:
1. على المؤسسات الشبابية والوطنية تفعيل دور لجان
أولياء الأمور في مدارس القدس الشرقية بمرجعياتها التعليمية المختلفة، حيث تعد لجان
أولياء الأمور من أكثر الجهات المعنية مقدرة على الضغط والمطالبة بتغيير واقع التعليم
في القدس إن أديرت على نحو سليم. فتستطيع أولا: المشاركة والتأثير في سياسات المدارس
الداخلية، وثانيا، الضغط على الجهات الرسمية لزيادة عدد الغرف المدرسية أو بناء مدارس
جديدة, وأخيرا التأثير على أهالي الشباب من خلال رفع درجة الوعي فيما يتعلق بأهمية
بالتعليم في القدس كنوع مهم من أنواع مقاومة
الإحتلال.
2. لمعالجة ظاهرة التسرب من المدارس بين الشباب
في القدس وخفضها، ةعلى المؤسسات الوطنية، أولا، التركيز على توجيه الشباب مهنيا وأكاديميا
قبل وصولهم إلى المرحلة الثانوية (تشير معظم الإحصائيات إلى أن غالبية حالات التسرب
تحصل في المرحلة الإنتقالية بين المرحلتين (الإعدادية والثانوية)، حيث أن تعرف الفتى
أو الفتاة على توجهاتهما المهنية والأكاديمية يساعدهما على البقاء في إطار المدرسة
من أجل تحقيق طموحاتهما وأهدافهما المستقبلية. ثانيا، إنشاء جهات إدارية متخصصة لمتابعة
ظاهرة التسرب في مدارس السلطة الوطنية في القدس، والضغط على مدارس البلدية والمعارف
الإسرائيلية في شرقي القدس لتفعيل وتوسيع طاقم متابعة التسرب الموجود حاليا، وثالثا،
خلق أطر ومناهج تعليمية خاصة للشباب من ذوي الإحتياجات الخاصة كصعوبات التعلم والتأخر
العقلي.
3. تنظيم لجان ومؤسسات محلية من مهامها الضغط على
بلدية الإحتلال لحل أزمة السكن، لاسيما فيما يتعلق بالأزواج الشابة، وتنظيم الأراضي،
وإقامة صندوق تمويلي لبناء مساكن جماعية للأزواج الشابة.
4. أهمية تركيز المؤسسات الشبابية والتعليمية على
تعزيز مفهوم الهوية عند الشباب المقدسي وعلى عدة مستويات تكاملية, فتعزيز الهوية الذاتية
يساعد الشباب على فهم الذات ويعزز الشعور بالأمان والإستقرار النفسي الداخلي في مواجهة
التحديات والتغيرات المجتمعية والعالمية. ولعل العولمة وثورة المعلومات التي يواكبها
الشباب من أهم هذه التغيرات. وكذلك فإن تعزيز مفهوم الهوية الوطنية والقومية للشباب
المقدسي أمر بالغ الأهمية للإختلاط اليومي مع الإسرائيلي في الحياة اليومية وتأثيراته
المختلفة، وأيضا لمواجهة التهديدات والسياسات الإسرائيلية في القدس والتي تحاول طمس
الطابع العربي والفلسطيني للمدينة.
No comments:
Post a Comment