يعتبر التعليم عنصر مركزي أساسي في
عملية التنمية، والمحرك الأول في نهضة الشعوب، وأهم ركائز الدولة منذ بدايات عصر
النهضة، ويعتبر قطاع التعليم في مدينة القدس من أهم القطاعات الحيوية في المدينة
نظراً لدوره في مسيرة النضال والصمود الوطني لذا فأن هذا الحقل الوطني الذي
تتهدده المخاطر ومحاولات التهويد بكل السبل والوسائل للنيل من الإنسان والطالب
المقدسي من أجل تذويبه وصهره في المجتمع الإسرائيلي وطمس هويتة الوطنية وتفريغه
من مضمونه وتوجيه أبنائه إلى سوق العمل الإسرائيلي كأيدي عاملة رخيصة.. لذا فإنّ
الالتفات إلى هذا القطاع وتنميته من خلال إيجاد أنظمة تعليميّة متكاملة تساهم
بدعم مسيرة التعليم في القدس لكي يبقى التعليم الصخرة التي تتحطم عليها مؤامرات
الاحتلال الإسرائيلي في تهويد هذا القطاع لأن انهياره سيكون وصمة عار على جبين
كل عربي ومسلم وغيور على إرث ومستقبل الأمة العربية والإسلامية.
وفي حديث خاص مع ديمة السمان رئيس
وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم العالي أكدت بأن عناصر العملية
التربوية تتعرض لعقبات وتحديات بشكل ممنهج ومدروس من قبل بلدية القدس، فالتعليم
يأتي على قمة الاستهداف الإسرائيلي، الذي يتنصل من التزاماته تجاه الشعب المحتل،على
الرغم من مسؤولياته القانونية. فالتعليم حق أساسي كفلته جميع القوانين والمواثيق
الدولية، لكن إسرائيل تتعنت وتضرب بعرض الحائط جميع القوانين والأعراف الدولية
وتمعن في انتهاكاتها بحق كل ما يمس بكرامة الإنسان المقدسي من قريب أو من بعيد.
فسلطات الإحتلال تسعى باستمرار لوضع
العقبات أمام نمو التعليم العربي الفلسطيني من خلال محاوره الرئيسية، الطالب
والمعلم والبنية التحتية ..الخ .
كما أنّ الإجراءات التي تمارسها تستهدف بشكل أساسي النيل من الطفل والأسرة
العربية ، وتتعمّد إيذاء الأطفال على وجه الخصوص، كونهم يشكلون الإمتداد الطبيعي
للوجود العربي في بيت المقدس.
فهي تحرم حوالي 20% من الطلبة من
الوصول على مدارسهم في القدس بيسر وحرية، بسبب جدار الفصل والتوسع، حيث يضطرون
إلى عبور الحواجز العسكرية المفروضة في محيط المدينة يوميا. كما تحرمهم من حقهم
في التعبير، من خلال منعهم من الإحتفال بالمناسبات المختلفة، التي تعزز وجودهم
وكيانهم وهويتهم وانتمائهم.. وقد ظهر ذلك جلياً واضحا من خلال احتفالات القدس
عاصمة الثقافة العربية 2009، فقد تم قمع الأطفال بصورة غير إنسانية وفجروا
بأسلحتهم بالوناتهم التي طارت نحو السماء تحمل أحلامهم، وتم تسليم إدارات
المدارس إنذارا خطياً، لمنعهم من إعادة الكرّة والإحتفال بهذه المناسبة.
وعلى صعيد آخر، تمنع سلطات الإحتلال
الطلاب من الوصول الجماعي للمسجد الأقصى لإقامة الصلاة، بحجة عدم استصدار تصاريح
خاصة لذلك.
وحتى أثناء تأدية الطلبة امتحانات الثانوية العامة التي تعتبر مصيرية لهم ،يتعرض
بعضهم للتحقيق والإعتقال أو عرقلة وصولهم إلى قاعات الإمتحان.
كما تحرم أطفالنا من اللعب في ملاعب وساحات تتلاءم وروح العصر، أسوة بأطفال
العالم، علما أن بلدية الإحتلال تجبي ملايين الشواكل سنويا عائدات ضريبة
المسقفات من الفلسطينيين، وتصرفها على أحياء المدينة الغربية. كما أنها تعيق
تكملة الطلبة دراساتهم الجامعية ،ولا تعترف بشهادة جامعاتهم في المدينة المقدسة.
وتؤكد السمان أن نسبة التسرب في
مدارس القدس المحتلة ، التي تشرف عليها البلدية والمعارف الإسرائيلية، تقارب
ال50%، في المرحلتين الأساسية العليا والثانوية، ومع ذلك لا يوجد متابعة حقيقية
للتسرب، حيث نلاحظ أن مجموع عدد طلبة الصف التاسع للعام الدراسي(2008-2009) في
مدارسهم حوالي 3217 طالبا وطالبة، ليصبح عددهم في الصف العاشر2442،وفي الصف
الحادي عشر يصبح عددهم 1958 طالبا وطالبة.
وأضافت السمان: كما تمنع سلطات
الإحتلال المعلمين من حملة هوية الضفة من الوصول إلى مدارسهم ، حيث كانوا يمثلون
في مدارس الاوقاف قبل عام 2000 نسبة 60%، واليوم يشكلون28%، مما أثر سلبا على
نوعية التعليم بسبب النقص الحاد بالتخصصات.
وفيما يخص الأبنية المدرسية، أكدت
السمان أن هناك نقص حاد في الغرف الصفية، حيث أن نسبة الإكتظاظ مرتفعة جدا ، وأن
البيئة المدرسية لا تتماشى مع توجه العالم أجمع نحو بيئة مدرسية صديقة للطفل،
فهناك حاجة لتوفير حوالي 1800 غرفة صفية، أما إذا أخذنا بعين الإعتبار أن أكثر
من نصف الغرف الصفية هي غير صالحة للإستعمال، لعدم توفر الشروط الصحية فيها،
إذاً يحتاج جهاز التعليم في القدس إلى حوالي 2500 غرفة صفية.
وكانت قد جمّدت سلطات الإحتلال بناء
المدارس في القدس متجاهلة الزّيادة السكانية الطبيعية من جهة، ووضعت العراقيل
التي تتمثل بالقوانين الصارمة والتكاليف الباهظة لتطوير وتوسعة الأبنية القائمة.
مع العلم أن معظم الأبنية المدرسية هي مستأجرة، عبارة عن أبنية سكنية، وليست
مؤهلة ولا مهيأة أصلا لأن تكون غرف صفية.
وأما بخصوص إن كانت المدارس الخاصة
فعلا تتلقى مساعدات من قبل بلدية إسرائيل، وعليه فإن الإحتلال يسيطر على حوالي
80% من التعليم في القدس، تنفي السمان هذه النسبة وتؤكد أن نسبة المدارس التي
تخضع فعليا لبلدية الإحتلال حتى الآن هي 51.9%،وهي نسبة عالية جدا، خاصة أنها في
تزايد مستمر، إنها تشكل أكثر من نصف الطلبة الذين يشكلون حوالي ثلث المجتمع
الفلسطيني في القدس المحتلة، بالإضافة إلى مدارس شركات المقاولات،( والتي تعرف
بمدارس سخنين)، وهي مدارس غير رسمية وتحمل ترخيص من المعارف الإسرائيلية، حيث
تعتبر نكبة حقيقية على التربية وعلى التعليم في القدس، على حد سواء، عددها 8
مدارس، 6 منها تدرّس المنهاج الفلسطيني، ويتقدم طلابها إلى امتحانات الثانوية
العامة الفلسطينية، ومدرستان تدرسان منهاج البجاروت الإسرائيلي.
أما عن بقية المدارس الخاصة
الإسلامية والمسيحية، نعم تتلقى أكثر من 90% منها مساعدات من بلدية الإحتلال،
إلا أن معظمها يلتزم بالمناهج الفلسطينية دون أي تغيير،ويحملون ترخيصا من وزارة
التربية والتعليم العالي الفلسطينية،كما ويحصلون على الكتب المدرسية من مخازن
وزارة التربية والتعليم العالي، مع إضافة اللغة العبرية ، الذين يدرسونها
لطلابهم كلغة ثالثة، أو حتى كلغةٍ رابعة في بعض المدارس.
وهذا لا يعيبها، "فمن عرف لغة
قوم أمن شرهم" ،بل إنّ معظم هذه المدارس ملتزمة بالخط الوطني، ومحتفظة
بطابعها الفلسطيني، مدعوما بالأنشطة الطلابية المختلفة التي تعزز روح الإنتماء
والثبات والصمود المقدسي الفلسطيني العربي. أما نسبة الطلاب فيها تشكل 27.3%
،ومدارس الوكالة تشكل 4.3% ، ومدارس الأوقاف الإسلامية تشكل 16.5% من طلبة شرقي
القدس.
ولكن لا زالت سلطات الإحتلال تحاول
تطبيق قانون التعليم رقم 564 لعام 1968 الذي صادقت عليه الكنيست ، حيث يعطي الحق
لوزارة المعارف الإسرائيلية بالسيطرة الكاملة على جميع مدارس القدس المحتلة.
كما وتعبر السمان عن قلقها إزاء
تعدد الجهات المشرفة على قطاع التعليم في القدس حيث قالت وللأسف الشديد، إن تعدد
جهات الإشراف ، وعدم وجود مرجعية واضحة وقيادة تربوية لمدارس القدس، أدى إلى
غياب رؤية فلسفية استراتيجية تربوية ، كما أدى إلى خلل في التعامل مع الواقع
المقدسي بحكمة ومهنية، مما ينعكس سلبا على العملية التربوية بشكل عام.
في معرض حديثنا مع السمان عن
المنهاج الفلسطيني الذي تم تدريسه في المدارس الفلسطينية في العام 2000 بعد
سنوات من اعتماد المنهاج الأردني في الضفة الغربية والمنهاج والمصري في قطاع غزة
قالت بأنه ومنذ العام 1967 كان هناك محاولات إسرائيلية لاستبدال المنهاج الأردني
بآخر إسرائيلي إلا أن هذا الأمر واجه هبات شعبية ومعارضة شديدة من مؤسسات وطنية،
وشخصيات تربوية وأولياء أمور الطلبة الذين أدركوا مدى خطورة هذا الأمر وأثره
السلبي على مستقبل أبنائهم، وبناء عليه تم فتح مدارس الأوقاف الإسلامية التي
استوعبت أعداد الطلبة وكانت بمثابة صمام الأمان الذي حافظ على عروبة المناهج
التي تعزز الهوية الفلسطينية العربية. مع العلم أن المحاولات الإسرائيلية تكررت
في سنوات أخرى لاحقة، إلا أنها باءت بالفشل.
وبعد انتهاء مركز المناهج الفلسطيني
التابع لوزارة التربية والتعليم العالي من تأليف كتب المناهج الفلسطينية، التي
تم تدريسها لأول مرة عام 2000 في جناحي الوطن ، في قطاع غزة والضفة الغربية وفي
القدس المحتلة،عندها أعادت سلطات الإحتلال محاولاتها ، حيث شنّت حملة إعلامية
شعواء على المناهج الفلسطينية ،بحجة أنها تحريضية وتعمل على زرع العنف والكراهية
وتوجه الطلبة نحو الإرهاب وعلى أنها تتعارض مع ثقافة السّلام. وبعد موجة العداء
للمناهج ، قاموا بدراستها وتحليلها، وثبتت براءتها، وتم الإجماع ، حتى من
مؤسساتهم أنفسها، على أنّ المناهج الفلسطينية موضوعية تنقل الواقع بصدق وأمانة
بدون أي تزوير، كما تم التأكيد على أنها ليست تحريضية كما يشاع إسرائيليا.
وتؤكد السمان بأن المناهج
الفلسطينية معتمدة في مدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الخاصة والوكالة ،على
النقيض من مدارس البلدية والمعارف الإسرائيلية، التي تدرس المناهج الفلسطينية،
لكن ضمن قيود وضوابط، حيث يتم إعادة طباعة الكتب المدرسية عن طريق طرح عطاءات
بما يتلاءم مع سياسات الاحتلال، ويتم العبث بمحتوى الكتاب التعليمي، حيث يتم حذف
كل ما يمت بصلة إلى تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية العربية، كما ويجري استبدال
ترويسة السلطة الوطنية بلاصق يحمل شعار بلدية الإحتلال.
وماذا عن صورة الإنسان الفلسطيني في
المناهج الدراسية الإسرائيلية؟
تؤكد السمان بأنه على النقيض من
المناهج الفلسطينية التي تتناول الواقع بصورة موضوعية دون تحريف ولا تزوير،
تتعامل المناهج الإسرائيلية، الموجهة (للطلاب الإسرائيليين تحديدا)، بصورة
مختلفة تماما، حيث أن صورة الفلسطيني في مناهجهم قاتمة وبشعة وتفتقر إلى أبسط
المقومات الإنسانية ، وهي تحريضية إلى أبعد الحدود، فبعد دراسة مستفيضة للنصوص
الموجهة لطلابهم، فقد اتضح أنها تتناول الشخصية العربية بصورة مشوهة، من خلال
ربطهم بأعمال القتل والشغب ، بناء على البعدين السياسي والعسكري على الأرض،حيث
يخضع الطفل عندهم لعملية غسل دماغ، تكرّس في ذهنه العنف والعدائية تجاه كل ما هو
فلسطيني عربي، فلا يلبث الطفل الإسرائيلي حتى يتحول إلى أداة حرب ضد كل ما هو
عربي أو إسلامي، وهذا ما يفسر ممارساتهم اللا إنسانية مع الفلسطينيين على
حواجزهم العسكرية ومعتقلاتهم ( وتحديدا فئة الشباب منهم).
وأنا هنا أتساءل، أين المؤسسات
الدولية التي طالبت بإعادة النظر بالمناهج الفلسطينية، حين اتُهمت بأنها
تحريضية؟ لماذا لا تطالب إسرائيل بإعادة النظر في مناهجها ، لماذا لا تشكل لجانا
لدراسة مدى تأثير المناهج الإسرائيلية على عملية السلام؟؟! كما فعلت بالنسبة للمناهج
الفلسطينية؟! على الرغم من أن بعض الباحثين الإسرائيليين أنفسهم، ومنهم الباحث
الي بوديا، اعترف بآثار مناهجهم السلبية على عملية السلام حيث يقول بوديا في
دراسته: " لقد كرست المناهج الدراسية طيلة نصف القرن الماضي حالة الحرب،
وحالت دون التوصل إلى سلام بين الطرفين، فالمناهج الدراسية منحرفة وعنصرية وتزرع
الكراهية. وانّ ما يحصل داخل جدران المدارس اثّر سلبا في قرار الحرب والسلام لدى
الدولة العبرية وقاد بطريقة أو بأخرى إلى الصراع المسلح " .
ما هي البدائل والحلول المقترحة
للنهوض بواقع التعليم في مدارس القدس؟
مدينة الإسراء والمعراج .. مدينة
السلام.. ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، إنها مسؤولية جميع العرب والمسلمين،
وضع القدس شائك..يحتاج لجهود مشتركة من كافة الأطراف، وبالتالي عليهم أخذ دورهم
الطبيعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن المحتل الشرس ومحاولات التهويد المستمرة
التي يمارسها بشتى الوسائل. القدس بحاجة لدعم أهلها ودعم صمودهم وثباتهم أمام
هجمة الإحتلال المتواصلة التي تحاول النيل من كرامتهم وإنسانيتهم وكيانهم
ووجودهم على أرضهم.
القدس بحاجة للدعم المادي والمعنوي
على حد سواء.. فقطاع التعليم يعاني من عجز واضح في الموارد البشرية و في حجم
التمويل اللازم للحفاظ عليه.
إن إنشاء صندوق خاص للتعليم، بموازنة ثابتة شهريا، يهتم بدعم رواتب المعلمين،
ودعم المدارس، بما فيها المدارس الخاصة للإستغناء عن الدعم المقدم من بلدية
الإحتلال سيكون الحل الأمثل للخروج من الأزمة.
بالإضافة إلى العمل على تجنيد
المؤسسات المحلية والدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، للضغط على سلطات الإحتلال
للتوقف عن تقييد حركة طلبتنا ومعلمينا وتسهيل حركتهم اثاء عبورهم الحواجز
العسكرية.
|