المقدسيين والعملية التعليمية



يلعب الاحتلال دوراً كبيراً في تجهيل الطلبة المقدسيين، وغياب عملية تعليمية مسئولة ترقى بمستوى التعليم الجيد، فالاحتلال يريد بذلك أسرلة وتهويد القدس ومؤسساتها، في أكثر مكان تنصقل فيه شخصية الإنسان في مرحلة طفولته وهي المدرسة والأسرة، فالوضع المعيشي يزيد من صعوبة الأمر ويفاقمه، وتغيب بذلك الهوية الوطنية الفلسطينية، فالتعليم مستهدف والقدس مستهدفة والحياة اليومية فيها بشكل عام مستهدفة من قبل الاحتلال.
إن حوالي 31.5 % من سكان القدس في سن التعليم العام منهم 26.5% في سن التعليم الأساسي و4.5% في سن التعلم الثانوي، أن إجمالي طلاب التعليم العام بالقدس يقدر بـ 122449 منهم 79418 طالبًا داخل الحواجز و43031 طالبًا يقطنون ضواحي القدس. بيد أن معدل التحاق المقدسيين في التعليم العام 74.3%، وهذا المعدل أقل من معدل الضفة الغربية وقطاع غزة والبالغ 87.5%، وأن انخفاض معدل الالتحاق المقدسيين بالمقارنة مع الضفة وغزة ناتج عن انخفاض معدل الالتحاق في المرحلة الثانوية ويبلغ 52.6% في حين يبلغ المعدل في الضفة وغزة57%، وهذا ناتج عن رغبة الطلبة في العمل بدلاً من إكمال دراستهم الثانوية، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء مدينة القدس.
الواقع التعليمي في القدس الشريف هو حصيلة تعدد أنظمة التعليم المطبقة في المدينة في ظل غياب سلطة وطنية تربوية تشرف على هذا التعدد في أنظمة التعليم، وأن هذه التعددية في ظل غياب السلطة الوطنية ذات المرجعية الملزمة أدَّت إلى ظهور سلبيات في العملية التعليمية منها انخفاض نوعية التعليم وتفشي ظاهرة التسرب وعدم تطبيق التعليم الإلزامي.
أدت سياسات الاحتلال إلى نشأة بيئة تعليمية متدنية أدت إلى انخفاض مستوى التحصيل لدى الطلبة وانخفاض مستوى تأهيل المعلمين وعدم تطبيق إلزامية التعليم أسوة بالمدارس الإسرائيلية غرب القدس، كما تتفشى في هذه المدارس ظاهرة انتشار المخدرات بين صفوف الطلبة تحت بصر سلطات الاحتلال.
المدارس في القدس:
تتعدد الجهات المشرفة على المدارس، عدد مدارس المعارف أو البلدية هي 54 مدرسة فيها 37.604طالبا أي ما نسبته 53%، ومدارس السلطة أو الأوقاف 38 مدرسة وتضم 13.329 طالبا أي ما نسبته 19%، والمدارس الأهلية 46 مدرسة وفيها 15.663 طالبا أي ما نسبته 22%، وهناك ثماني مدرسة وكالة غوث وفيها 3.561 طالبا أي ما نسبته 5%، ويبلغ عدد الطلبة بالقدس حوالي 70 ألف طالب، إن السبب وراء العدد الكبير لمدارس البلدية، هو أن السلطات الإسرائيلية سيطرت على المدارس الرسمية الأردنية عام 1967، وهذه المدارس هي المدارس الفعلية التي كانت موجودة، أما الباقي فهي بيوت سكنية تم استئجارها من قبل الأوقاف الإسلامية للتصدي لمحاولات فرض التعليم الإسرائيلي على أبناء القدس، منذ ذلك الوقت لم تقم بلدية القدس على مدار سنوات الاحتلال بإضافة أي أبنية حسب حاجة السكان، وتمنع المواطنين من عمل أي تطوير في المدارس.
سلطات الاحتلال تتبع حاليًا سياسة لجذب الطلبة المقدسيين إلى المدارس التابعة لها على حساب المدارس الخاصة والمدارس التابعة للأوقاف من أجل فرض وتدعيم سيطرتها على المؤسسات التعليمية باستخدام عدة أساليب منها:
كما تمارس التضييق على المدارس الحكومية والتابعة للأوقاف؛ بمنعها من التوسع والحدِّ من البناء، وإجراء الصيانة الدورية للمدارس، مما يرفع من مستوى الازدحام في الغرف الصفية، ويقلل من قدرات هذه المدارس الاستيعابية لدفع الطلبة للالتحاق بمدارسها. كما تعترف وزارة الداخلية بعائلات الطلبة المنتسبين إلى مدارس المعارف والبلدية كمقيمين في القدس، بينما الطلبة المنتسبين إلى المدارس الوطنية لا تعتبر دليلاً على الإقامة في المدينة وتتعرض أسرهم لسحب هوياتهم.
وتقوم سلطات الاحتلال بدفع مساعدات نقدية وعينية لبعض المدارس الخاصة بهدف تبني هذه المدارس سياستها وفرض سيطرتها على المؤسسات التعليمية. وتكرر إسرائيل المضايقات تجاه الطلبة والمعلمين مثل الاعتداءات والاعتقالات ومحاصرة المدارس الوطنية، ووضع الحواجز المؤدية إليها لدفع الطلبة للانتقال إلى المدارس خارج القدس أو الانتقال إلى مدارس البلدية والمعارف.
هناك 25 مدرسة تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية يطالبها الاحتلال بملايين الشواكل من أجل تغطية تلك الضرائب، وهي خطوة غير مسبوقة، حيث أن المدارس بكل القوانين الدولية لا تخضع لقانون الضرائب، وهي عقبة جديدة يضعها الاحتلال أمام العملية التعليمية. المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية لا يعترف بها إسرائيليا ويهددون بسحب هويات من يلتحق بها، لهذا هناك إقبال على مدارس المعارف والبلدية.
نتيجة ذلك أن طلبة مدارس المعارف والبلدية صبحوا يشكلون حوالي نصف طلبة القدس فقد ارتفعت نسبتهم من 51.7% عام 1994/1995م إلى 53.7% في العام 1999/ 2000م، ووصلت 65% في العام الدراسي الحالي، وقد جاءت هذه الزيادة في حصة مدارس المعارف والبلدية على حساب المدارس الخاصة؛ فقد انخفضت حصة المدارس الخاصة من 28% في العام الدراسي 1994/1995م إلى 21.8% في العام الدراسي الحالي.. هذا الانخفاض في عدد طلبة المدارس الخاصة لم يأت فقط نتيجة لتحول الطلبة من التعليم الخاص إلى مدارس المعارف والبلدية بل أيضًا أن مدارس الأوقاف قد توسعت وانضم إليها أربعة مدارس من القطاع الخاص مما رفع حصة مدارس الأوقاف من 13.5% إلى 18.5% من مجموع الطلبة.
نقص الغرف الصفية:
النقص في الغرف قبيل افتتاح العام الدراسي الحالي بلغ 1800 غرفة، وهناك حاجة لبناء 20 مدرسة جديدة دفعة واحدة من أجل سد النقص الشديد في الغرف الدراسية. كما تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن النقص خلال العام 2011 سيصل إلى 1500 غرفة دراسية في أقل تقدير، وأن عدد الطلاب الذين لم تستوعبهم أي مدرسة في القدس بلغ مع بداية العام الحالي 5500 طالب.
خلال السنوات الماضية حاولت أطراف فلسطينية استصدار رخص لبناء مدارس أو إضافة صفوف جديدة، لكن دون جدوى، فقد وصلت مدة اجتياز إجراءات الترخيص أكثر من عشر سنوات وتكون النتيجة بالأغلب سلبية (عدم منح التراخيص)، إضافة إلى أن إجراءات الحصول على ترخيص معقدة ورسومها باهظة، علما بأن تراخيص بناء المدارس في الدول الأخرى تعفى من الضرائب.وفي بعض الحالات تقوم لجنة أولياء الأمور في المدارس ببناء غرف صفية على نفقتها الخاصة وهذا يعرضها لإجراءات عقابية من قبل البلدية وإصدار أوامر هدم أو مخالفات بناء، أن هناك قرارات هدم لأجزاء من 3 مدارس بالمدينة، كما تم إغلاق طابق كامل في إحدى المدارس.
نوعية المدارس:
الأنفاق على التعليم في القدس الغربية يتجاوز نظيره في القدس الشرقية المحتلة بمرتين أو أربع مرات.. إسرائيل تحرم الأطفال من اللعب في ملاعب وساحات تتلاءم وروح العصر، أسوة بأطفال العالم، علما أن بلدية الاحتلال تجبي ملايين الشواكل سنويا عائدات ضريبة المسقفات من الفلسطينيين، وتصرفها على أحياء المدينة الغربية. عدا عن إعاقتها تكملة الطلبة دراساتهم الجامعية، وعدم اعترافها بشهادة جامعاتهم في المدينة المقدسة. في المدارس حوالي 647 غرفة صفية من أصل 1398 غرفة صفية لا تلبي المعايير، أي لا تصلح أو تصمم للاستخدام كمباني تعليمية.
أطفال بلا مدارس:
حسب تقرير صدر مؤخرا عن منظمة "عير عميم" الإسرائيلية غير الحكومية العاملة في القدس الشرقية، فان حوالي 5,500 طفل مقدسي (ما يفوق 5 بالمائة من مجموع الأطفال) في القدس الشرقية غير مسجلين في المدارس الحكومية أو الخاصة أما مصادر وزارة التعليم الفلسطينية فتقدر العدد ما بين (5-10)  آلاف طالب، فيما تقدرهم مصادر فلسطينية أخرى بأنهم حوالي 20 ألف طفل ليس لديهم مظلة تعليمية تربوية تؤهلهم للمرحلة الأساسية، وهي مشكلة خطيرة جدا. رغم أن إسرائيل سلطة قائمة بالاحتلال بالقدس إلا أنها لا توفر احتياجات الواقعين تحت حكمها واحتلالها وهو ما يكفله التشريعات والقوانين الدولية، ولا توفر تلك الاحتياجات للطلبة المقدسيين.
الجدار:
سلطات الاحتلال تحرم حوالي 20% من الطلبة من الوصول على مدارسهم في القدس بيسر وحرية، بسبب جدار الفصل والتوسع، حيث يضطرون إلى عبور الحواجز العسكرية المفروضة في محيط المدينة يوميا. كما تحرمهم من حقهم في التعبير، من خلال منعهم من الاحتفال بالمناسبات المختلفة، التي تعزز وجودهم وكيانهم وهويتهم وانتماءهم.
المنهاج:
منذ احتلال مدينة القدس حاولت سلطات الاحتلال فرض المنهاج الإسرائيلي بدلا من الأردني والفلسطيني المطبق حاليا، إلا أنها فشلت أمام رفض المعلمين والطلبة والأهالي ذلك، وحتى اليوم ما زالت تتدخل بطريقة أو بأخرى، حيث تحرم الطلبة الفلسطينيين من حقهم في التعبير عن هويتهم من خلال حذف بعض الصفحات والفقرات، إضافة إلى منع تدريس بعض الكتب، وحذف كلمات وعبارات وشعار السلطة عن كتب المنهاج وهناك قرار بتجريم من يذكر النكبة أو النكسة.
كما تحاول إسرائيل فرض مناهجها أو تسويقها من خلال برنامج "البجروت" بحيث تعطي الطالب انطباعاً بأنه أسهل من "التوجيهي"، وهذا أمر خطير لان المنهاج المطبق في القدس الشرقية هو المنهاج الفلسطيني. تم إدخال إصلاحات عديدة على امتحانات الثانوية العامة لتكون سهلة على الطلبة، وهناك مدارس في القدس فتحت مسارات لتدريس المنهاج الإسرائيلي.
نقص المعلمين:
تعاني مدارس القدس من نقص حاد في الكفاءات التعليمية حيث يمنع المعلمون من حملة هوية الضفة الوصول إلى مدارسهم، الذين كانوا يمثلون في مدارس الأوقاف نسبة 60% قبل عام 2000 واليوم فهم 28 %، وهؤلاء المعلمون يتعرضون للإذلال عند ضبطهم داخل المدينة دون تصريح، ويتعرض بعضهم للاعتقال أو التحقيق.
أما معلمو مدينة القدس فيعانون من الضرائب والرسوم الإجبارية من التأمينات التي تفرض عليهم وعدم القدرة على توفير مسكن بسب الإجراءات والتكاليف الباهظة التي تفرض على البناء، كما يعاني المعلمون من مشكلة تدني رواتبهم.
كما أن أحد أسباب النقص في عدد المعلمين الذين يتسربون من مدارس الأوقاف إلى مدارس البلدية هو الراتب العالي للعمل في مؤسسات تعليمية بالقدس الغربية.
التسرب من المدارس:
وزارة التعليم الفلسطينية لا يتوفر لديها معلومات عن حجم التسرب في المدارس التابعة للمعارف والبلدية ولا عن أسبابه والطرق المتبعة – إن وجدت- للتخفيف من حدت هذه الظاهرة؛ حيث إن سلطات الاحتلال تخفي مثل هذه المعلومات النوعية عن التعليم الفلسطيني في مدارسها نوعيته، سلطات الاحتلال تقدم الحد الأدنى من التعليم للفلسطينيين ضمن المرحلة الأساسية وتهمل التعليم الثانوي، لدفع الطلبة نحو العمل المأجور الذي لا يحتاج إلى مهارة في القطاعات الاقتصادية، وتنتهج هذه السياسة مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
ظاهرة التسرب من التعليم أصبحت منتشرة في كافة المراحل التعليمية وفي كافة المدارس بالقدس، وتتفاوت حدتها حسب مستوى الصف؛ حيث تنخفض في المرحلة الأساسية الدنيا وترتفع تدريجيًا في المراحل التعليمية العليا وتصل ذروتها من الصف العاشر وأعلى.
تشير التقارير الإسرائيلية إلى نسبة التسرب من المدارس الثانوية الحكومية تصل إلى 50%، وأن من أصل حوالي 88000 ألف طلاب مقدسي يتعلم من جيل 6 سنوات وحتى 17 سنة في مدارس البلدية والمعارف الإسرائيلية ينهي التعليم المدرسي حوالي 42000 فقط، والبقية رغم أن نسبة منهم لا يتعلمون في مدارس البلدية،فإن النسبة الأكبر منهم لا يجدون لهم مقعداً في تلك المدارس،فيضطرون للبحث عن مقاعد في المدارس الخاصة والأهلية ذات التكاليف الباهظة، هذه التكاليف ليس بمقدور الكثير تحملها مما يدفع المواطنين إلى إخراج أبنائهم من المدارس لسوق العمل أو الدفع بهم إلى ساحات البطالة والتسكع في الشوارع. ووفق حسابات مديرية تربية القدس، دخل عام 1997/1998 للصف الأول 2686 طالبا، وفي العام 2009/2010م وصل إلى الصف الثاني عشر 1601 طالب.
أما الأرقام الصادرة عن مؤسسة أوتشا، فتشير لوجود 9000 آلاف طفل فلسطيني لا يحضرون إلى مدارسهم في القدس الشرقية، بسبب عدم توفر غرف صفية تستطيع استيعاب الطلاب في المدارس الحكومية، وفي ذات الوقت لا يستطيع أولئك الطلبة تحمل عبء مصاريف الدراسة في المدارس الخاصة
من أسباب التسرب، السبب الاقتصادي، ونسبة التسرب نتيجة هذا السبب بلغت 43.5% من مجموع الطلبة المتسربين، وهذا هو أيضًا السبب الرئيس لتسرب الطلبة من المدارس على مستوى الوطن، السبب الثاني من حيث التأثير للطلبة الذكور هو تدني القدرة الدراسية لدى الطلبة ويقدر نسبة هؤلاء 25.8%.
الآفات الاجتماعية:
ينتج عن ذلك من إمكانية الانحراف نحو الأمراض والآفات الاجتماعية والتي يقف على رأسها المخدرات والتي تنتشر بفعل الاحتلال في القدس انتشار النار في الهشيم، وحتى لا يخسر الأهالي مستقبل أبتائهم الطلبة يضطرون لنقل مراكز حياتهم لخارج مدينة القدس، وفي كل الحالات يشكل ذلك خدمة لسياسة الاحتلال في طرد وترحيل أبناء القدس عن مدينتهم.
إن واقع التّعليم في القدس أضحى يشكل أرض خصبة للانحراف بين الشّباب، (الّذي يشكل ما نسبته 55% من المجتمع المقدسي)، وبالتّالي ارتفاع نسبة تعاطي الكحول والمخدرات، حيث سجلت القدس أعلى نسبة في العالم وهي 7.8%. في حين أن النّسبة في العالم لا تزيد عن 6.2%.. وقالت آخر إحصائية لعام 2009، أن هناك 6000 مدمن و25000 متعاطي في القدس بين (14-25) عاما.


No comments:

Post a Comment