القدس - رام الله - في فناءِ بناءٍ قديمٍ متهالكٍ تجمّع عددٌ من
طالبات مدرسة الفتاة اللاجئة في القدس المحتلة للهروب من أشعة الشمس الحارقة
ومتاعب الدراسة ، في غرفٍ لا تلبي الحد الأدنى من متطلبات التعليم ، معاناةٌ تقول
عنها الطالبة سجود أبو رميلة - الطالبة في الصف العاشر: إنها معاناة كبيرة تؤثر
على المستوى التعليمي لطلبة القدس ، فسجود تشارك زميلتين مقعداً واحداً في
دلالةٍ على الاكتظاظ الشديد , هذا فضلاً عن استيائها وزميلاتها من قدم المكان و
رداءة الصفوف ، وتستطرد سجود بالحديث عن وضعية المقاعد الدراسية المهشمة والغير
نظيفة وتقول : معظم المقاعد قديمة ومكسورة ولا تصلح لاستخدام الطلاب الأمر الذي قد
يلحق الضرر الجسدي إضافة للنفسي بالطلاب .
أما الطالبة في الثانوية العامة ولاء عباسي من مدرسة الشابات المسلمات
فتشكو من الأعداد الكبيرة للطالبات في الصف الواحد وتقول : إن وجود أكثر من 35
طالبة في غرفة واحدة لا تتجاوز ال20م وفي بناء منزلي قديم يفقد التركيز ويقلل من
استيعاب الطلبة لاسيما طلبة الثانوية العامة لما يعانوه في الأصل من ضغوط في صفهم
الدراسي الأخير استعداداً لاختبار التوجيهي ، وتضيف ولاء إنها تشعر أيضا من
زميلاتها القادمات من خلف الجدار والحواجز العسكرية الإسرائيلية لأن ذلك يؤدي إلى
تأخيرهن عن الحصص الصباحية في الغالب .
صورة تفتح الباب للحديث عن التسارع بالانهيار الكامل في قطاع التعليم
في القدس كما تنهار بيوت المقدسيين بقرارٍ احتلاليٍ كلَّ يوم ، فالمعطيات
الواردة من قلب المدينة المقدسة تُنذر بشلل التعليم في ظل حرمان ما يزد عن 10 الاف
طالبٍ مقدسيٍ من حقهم في التعلم كما يؤكد سمير جبريل مدير التربية والتعليم في
القدس .
ويتحدث جبريل عن
الحاجة الماسة لأكثر من 10 الاف غرفةٍ صفيةٍ جديدة ، إضافةً إلى بناء عشرين مدرسةً
لسد النقص في الغرف الدراسية والتخفيف من الاكتظاظ الشديد ، حالةٌ تشمل أيضاً
الصفوف القائمة أصلا ، فغالبيتها تفتقر إلى الحد الأدنى لمتطلبات الدراسة من غيابٍ
للتهوية ومعايير الأمان والمختبرات العلمية ووسائل التعليم الحديث ، فمعظم الأبنية
المستخدمة للتدريس في القدس هي أبنيةٌ منزليةٌ طوّعت لتؤدي مهمة المدارس في ظل فرض
الاحتلال الإسرائيلي قيوداً على عمليات الترميم ومنح تراخيصَ للبناء في القدس .
هجمةٌ تنظر إليها
الجهات الرسمية باعتبارها جزءاً من مخطط الاحتلال الإسرائيلي في الاستيلاء
والسيطرة على كل مقومات المدينة المحتلة وأهمها قطاع التعليم .
أحمد الرويضي باحث في
ملف التعليم في القدس وفي حديث خاص ل" هنا القدس" يرى أن سلطات الاحتلال
تحاول التضييق على التعليم من خلال منع بناء المدارس الجديدة ، الأمر الذي دفع
المقدسيين لاستخدام أبنيةٍ سكنيةٍ مستأجرةٍ للتعليم ، مع أن تلك الأبنية غير
مجهزةٍ ومعدةٍ بشكل يلائم التدريس ".
وحول أهم العقبات التي يعاني منها التعليم في القدس يضيف الرويضي
" أنّ هناك عقباتٌ كبيرةٌ جدا إضافةً لقضية البناء وتوفير البنى التحتية
للمدارس ، فقضيةُ تعدد المرجعيات التعليمة في القدس تنعكس سلبا على إمكانية النهوض
بالمستوى التعليمي ، فمدراس القدس مقسمةٌ في المرجعية بحكم واقع الاحتلال بين
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ، والمدارس الخاصة ، ومدارس الأوقاف ، والمدارس
التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية ، إضافة لما بات يعرف حديثا
بمدراس "سخنين" التي تحاولُ تدريسَ المنهاج الإسرائيلي ، وكل هذا
يشتت الجهد ويسهل مهمة الاحتلال في تطبيق مخططه وفرض رؤيته ".
ويبلغ عدد طلبة القدس وفقا لسمير جبريل مدير التربية والتعليم في
القدس قرابة 40 ألاف طالب وطالبة ،50% منهم يدرسون في مدارس بلدية الاحتلال في
القدس و24% يتلقون تعليمهم في المدارس الخاصة ،و13% من الطلبة يتقلون تعليمهم في
مدارس التربية والتعليم و مدارس الأوقاف و15% من أجمالي الطلاب يدرسون في مدارس
الوكالة وبعض المدارس الجديدة الغير معترف بها .
واقعٌ معقدٌ شكل أرضيةً لارتفاع نسبة تسرب الطلبة من مدارس القدس كما
تؤكد مديرة مدرسة الشابات المسلمات الثانوية إكرام الوحيدي التي تعزوا الأمر إلى
ظروف التعليم وعوائق الاحتلال من جدارٍ وحواجزٍ إضافة لإغراءات سوق العمل ، أسباب
يتفق معها سمير جبريل مدير التربية والتعليم في القدس أيضا ويقول بأن النسب تتجاوز
ال10% من طلبة القدس مع التفريق ما بين حالتين في هذه القضية ، الأولى الحرمان من
التعليم و الثانية التسرب ، باعتبار أن واقع التعليم في القدس والقيود الإسرائيلية
تحد من القدرة على توفير ما يلزم للعملية التعليمة وبالتالي هذا حرمان من حق
التعليم مع الإقرار بأن هناك نسب من التسرب تعود أسبابها للظروف الاقتصادية
والاجتماعية .
وعن دور وزارة التربية والتعليم في الحل أو النهوض بالتعليم المقدسي
يقر جبريل بأن التحرك في القدس مقيد بالاتفاقيات الموقعة والإمكانيات المتواضعة
التي تملكها الوزارة في القدس ومع ذلك تقوم بجهود مضاعفة ومحاولات لتوفير المدارس
ودعم المنهاج الفلسطيني .
ومع كل ما تقدم يبدو أن كل العقبات يمكن تداركها لكن الأخطر من ذلك
كله تهديد الحكومة الإسرائيلة بتغير المنهاج الفلسطيني وتهويد منهاج التعليم حتى
في المدارس العربية ، وبهذا الخصوص يحذر الرويضي من انعكاس هذا المخطط على هوية
الطلبة العربية لاسيما وأن التعديل على الكتب الدراسية طال مادتي التاريخ والثقافة
الإسلامية ، محاولة أكد الرويضي إلى الآن فشلها مع رفض الطلبة للمنهاج المعدل ووقف
الأهالي ومختلف المؤسسات المقدسية في وجه المخطط واستبدال الكتب المعدلة إسرائيليا
بأخرى وفقا للمنهاج الفلسطيني .
أما تصور الرويضي لتجاوز المعيقات التي يعاني منها التعليم في القدس
فيقوم على ضرورة تخصيص ميزانيات كافية لشراء المزيد من الأبنية واستخدامها كمدارس
في ظل القيود الإسرائيلية على البناء ، إضافة لممارسة الضغط الدولي على حكومة
الاحتلال لوقف تدخلها في التعليم المقدسي والتخفيف من الإجراءات التعسفية التي
تمارس بحق قطاع التعليم .
No comments:
Post a Comment