إن
جهاز التعليم في القدس المحتلة يعاني إهمالاً وتهميشاً متعمدين من قبل بلدية الاحتلال
في القدس، إذ إن الحق في التعليم بالنسبة لعشرات آلاف الطلاب في المدينة سينتهك هذا
العام على نحو فظ وصارخ، فأغلب الطلبة يلتحقون بمؤسسات تعليمية رسمية متعثرة تعاني
بعضها فقراً في ميزانيتها، ونقصاً في الكوادر البشرية.
كما
يتعلم الآلاف من الطلاب هذا العام في غرف تدريسية غير مطابقة للمعايير المقبولة، فبعضها
في مبانٍ سكنية لا تصلح بيئة تعليمية، هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسب التسرب بين الطلبة
والتمييز الصارخ بين العرب واليهود في الميزانيات والكوادر البشرية، إلى جانب تشجيع
مشروعات يهودية واستيطانية على أراضٍ عامة بدلاً من بناء مدارس عليها.
ولعل
أبسط ما يعكس حالة التهميش التي تنال من جهاز التعليم في القدس الشرقية، أن 24 ألف
طفل مقدسي لا يظهرون في قوائم وزارة التعليم الإسرائيلي وبلدية القدس، ففي إطار تقرير
أجرته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، وجمعية «عير عميم» يرصد مظاهر الإهمال والتهميش
التي تسري في جهاز التعليم بالقدس الشرقية، أظهرت بيانات مديرية التربية والتعليم في
القدس (مانْحي) أن إجمالي الأطفال في القدس الشرقية ما بين السادسة والـ18 وصل عام
2012 إلى 88 ألفاً و845 طفلاً، من بينهم 86 ألفاً و18 طفلاً التحقوا بمؤسسات تعليمية.
فيما
أظهرت بيانات بلدية القدس أن الأطفال ما بين السادسة والـ18 أكثر بكثير، وبلغ عددهم
هذا العام 106 آلاف و534 طفلاً، وبعملية طرح حسابية بسيطة يتبين أن هناك 20 ألفاً و516
طفلاً ما بين 6-18 عاماً لا يظهرون في سجلات مديرية التربية والتعليم في القدس، إضافة
إلى أن 3806 أطفال في جيل الخامسة، وهو جيل الروضة الإلزامي، ليسوا مسجلين في أي روضة
تعرفها المديرية، وهذا يشير إلى أن 24 ألفاً و322 طفلاً مقدسياً لا يظهرون في أي قوائم
ولا يعرف أين يتعلمون.
وللحديث
عن هذا الجانب، تقول مديرة مشروع حقوق الانسان في القدس الشرقية في جمعية حقوق المواطن،
المحامية نسرين عليان إن «هذا الاختلاف في عدد الأطفال ما بين السادسة والـ18 من العمر
في القدس الشرقية يعكس وجود خلل ما في متابعة أوضاعهم، ويعني أن وزارة التربية والتعليم
الإسرائيلية وبلدية القدس لا يعرفون أين يدرس 24 ألف طفل فلسطيني من سكان المدينة،
أو إن كانوا يحظون أصلاً بفرصة الالتحاق بالمدرسة».
وتضيف
«كما ينعكس جهل السلطات المسؤولة بالعدد الحقيقي للطلاب الفلسطينيين بدوره على الميزانيات
المخصصة للتعليم في القدس الشرقية، بما في ذلك بناء مدارس جديدة لاستيعابهم، أو بناء
برامج خاصة لحل مشكلة التسرب لديهم».
وتشدد
المحامية عليان على ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية القدس بزيادة
حجم استثمارهما في التربية والتعليم بالقدس الشرقية بشكل مستعجل للمساهمة في حل الإشكالات
التي يعانيها جهاز التعليم في القدس.
أوضاع
متردية
يعاني
جهاز التعليم في القدس أوضاعاً متردية وقاسية تطاله من جميع الجوانب، وعن ذلك يقول
الباحث الميداني في جمعية عير عميم أحمد صب لبن، إن «مدارس القدس الشرقية تعاني نسبة
التسرب هي الأعلى في إسرائيل، فمعدل التسرب من المدارس من الصف السابع وحتى الـ12 بلغ
17.3٪، فيما تبلغ نسبة التسرب في صفوف الـ12 لوحدها 40٪، وفي مواجهة هذا الواقع القاسي
لا نرى أي مبادرات من قبل بلدية القدس لمشروعات تسهم في تحسين المستوى التعليمي وحل
هذه المشكلة، بل نرى تمييزاً في تخصيص الميزانيات لمصلحة القدس الغربية».
ويضيف
«إن التمييز لا يقتصر على الميزانيات بل في الكوادر البشرية المهنية، حيث لم يعمل في
جهاز التعليم بالقدس الشرقية العام المنصرم سوى 21 مستشاراً تربوياً، في نسب وظائفية
مختلفة، في الوقت ذاته، عمل في جهاز التعليم في القدس الغربيّة أكثر من 250 مستشارا
تربويا مع عدد شبه مماثل من الطلاب، ففي حي سلوان المقدسي مثلا يعمل مستشار تربوي واحد
وثلاثة اختصاصيين نفسيين مع أكثر من 5000 طالب يدرسون في الحي».
ويشير
إلى أن الغرف التدريسية بالقدس الشرقية تعاني معدل اكتظاظ غير مسبوق يصل إلى 3169 طالباً،
مقابل 2382 طالباً في القدس الغربية، على الرغم من سلبية تأثير الاكتظاظ في جودة العملية
التعليمية، بالإضافة إلى وجود 720 غرفة تدريسية غير مطابقة للمعايير المطلوب توافرها
في الغرف التدريسية.
ويمارس
الاحتلال، بحسب صب لبن، رقابة على المناهج الدراسية للطلبة المقدسيين، حيث يتم حذف
بعض النصوص من الكتب الدراسية بواسطة جسم خارجي خاص غير حكومي، على الرغم من أن العديد
من النصوص المحذوفة لا تنطبق عليها معايير «التحريض على دولة إسرائيل أو على اليهود».
مستقبل
مجهول
الإهمال
والتهميش وظروف التعليم غير المناسبة التي يمر بها جهاز التعليم للطلبة الفلسطينيين
في القدس الشرقية، تجعل أهالي الطلبة يعيشون في قلق دائم تجاه مستقبل أبنائهم التعليمي،
وهذا ما اضطر محمد سياج من حي الثوري بمدينة القدس أن يوقف طفليه مع بداية العام الدراسي
الجاري من الدراسة في مدرسة أحمد سامح وهي المدرسة الوحيدة في الحي، ونقلهما إلى مدرسة
خاصة للأيتام تشرف عليها وزارة الأوقاف الفلسطينية مقابل رسوم دراسية سنوية.
طفلة في مدرسة مقدسية |
ويقول
محمد سياج الذي كان أحد أعضاء لجنة أولياء الأمور في مدرسة أحمد سامح، لـ«الإمارات
اليوم» «منذ أربع سنوات ونحن في لجنة أولياء الأمور نطالب وزارة المعارف الإسرائيلية
وبلدية الاحتلال في القدس بإيجاد وبناء مدرسة ثانية في الحي، وتحسين أوضاع المدرسة
الوحيدة لسكان الحي، التي لا تكفي لتعليم الجزء القليل من الطلاب في حي الثوري، وخضنا
معارك طاحنة للحصول على أبسط الحقول لأبنائنا الطلبة، ولكن دون جدوى». مدرسة أحمد سامح
في حي الثوري تروي الحكاية كلها لمعاناة جهاز التعليم في القدس الشرقية، حيث يدرس الطلاب
في هذه المدرسة داخل بناية سكنية قديمة مستأجرة من عائلة الطويل، فهذه المدرسة لم تبن
لغرض الدراسة، وليست معدة لاستيعاب أعداد الطلاب الذين يرتادونها، ولا تستوفي شروط
الأمان والنظافة في البناية ومحيطها، وذلك بحسب سياج.
No comments:
Post a Comment